الثقافية – أحمد الجروان:
ارتبطت صورته بشاشة التلفاز، فكانت الكميرا هي عشقه منذ أيام الطفولة، ووقوده الذي يشحذ همته نحو التميز والإبداع، عُرف بفصاحته، وقدرته على استنطاق الضيوف، فحفر اسمه في ميدان الإبداع الإذاعي بمدادٍ من العزيمة الصادقة، فلم يشغله حصوله على درجة الماجستير عن عشقه وفنه الذي ارتبط به فأصبح من فرسانه.. تستضيف الثقافية في هذا العدد المذيع عبدالرحمن السعد في حديث متنوع وشامل عن كواليس الإذاعة والإعلام فإلى نص الحوار..
* حدثنا عن مراحل حياتك الأولى؟
ولدت ونشأت في قرية تتربع على قمة جبل من جبال السروات تحيط بها الغابات من كل جانب ويصعد إليها السحاب في كل يوم ليتعانقا عناق العاشق الولهان! وكان لهذه البيئة الأثر الكبير على نشأتي ورؤيتي للحياة.. والتي سعيت في مناكبها في ضوء المعطيات والإمكانات الموجودة في ذاك الزمن. عشت في أكناف أسرة مترابطة تتكون من جد وجدة وأم وأب و4 أخوة وأختين مما كان لها الأثر البالغ في الاستقرار النفسي والمضي قدمًا في كل مراحل تعليمي بتفوق ونجاح والحمد لله.
* بماذا تميزت تلك المرحلة الزمنية في حياتك؟
لكل زمن طبيعته فلا زمن يشبه سواه.. تلك الفترة أحبها بكل تفاصيلها بكل ما فيها من البساطة والعفوية والترابط الأسري والمجتمعي والتعاون بين أهلها في كل شأن من شؤون حياتهم مع قربهم من الله سبحانه وتعلقهم به دون واعظ ولا زاجر وبلا تزمت ولا تشدد وإنما عن فطرة سليمة وسريرة نقية.
* في طفولتك هل من شخصية كان لها تأثير فيك؟
نعم وألف نعم إنها شخصية جدي لأبي «فايز بن عبدالله» رحمه الله وجعل الجنة مثواه، كنت قريبًا منه ومتعلقًا به تعلقًا شديدًا حتى أيام وفاته وكان قد تجاوز 120 من عمره وكنتُ وقتها في 25 من عمري..
تميزت شخصيته بالحزم والقوة والعدل والتواضع والابتسامة الدائمة والحكمة والنظرة الثاقبة وتقديره للكبار من القبيلة والرأفة والرحمة والتوجيه والتعليم لمن هم دونه.
زرع في نفسي شكر الله على نعمه وإن كانت يسيرة قليلة – ولا قليل في نعم الله – فكل نعمة لمن تدبر وتأمل كبيرة وعظيمة.
زرع في شخصيتي وجوب الاحترام لمن هو أكبر مني وأعلم والتواضع لمن هو أصغر وبالذات الأطفال منهم.
الحديث عن جدي لأبي ذو شجون ولو استمررت لن يتوقف القلم!
* هذه الشخصية في محيط الأسرة أما من شخصية مؤثرة في مسيرتك التعليمية؟
تعلمت على يد الكثير من الأساتذة من الابتدائية حتى نلت درجة الماجستير وأدين لكل واحد منهم بالفضل في تعليمي وتوجيهي ولكن هناك 4 منهم لا أنساهم وكان لهم الأثر الكبير في حياتي.
1- في المرحلة المتوسطة والثانوية إبراهيم الحاج «سوري» عرفت على يديه كيف اقرأ؟ وكيف اختار الكتاب؟ هو من وثّق علاقة حبي للكتاب والقراءة من خلال تشجيعه لي وإصراره على زيارتي للمكتبة المدرسية والاطلاع عليها، بل أسهم من ماله الخاص بشراء أول كتاب لي.
2- في المرحلة الجامعية د. إبراهيم الفوزان رحمه الله أستاذ الأدب العربي كان أبًا ومربيًا ومعلمًا وموجهًا قل نظيره وندر شبيهه.
3- في مرحلة الماجستير د. حزاب الريس أستاذ الإعلام هذا الرجل الذي لم يأخذ حقه من التقدير والتكريم.. تعلمت منه الكثير فهو يمتلك عقلية واعية وناضجة سبقت زمنها! ومما أفخر به أنني لخصت كثيرا مما كان يطرحه في محاضراته وجعلته في مذكرة عنونتها بـ «كلمات من ذهب» وأخرجت رؤوس أقلامها في سلسلة من التغريدات.
4- في مرحلة الماجستير أيضًا د. فايز الشهري أستاذ الإعلام شخصية رائعة رائدة.. راق في تعامله غزير في علمه عميق في فكره وتحليله للأمور ونظرته الثاقبة لما وراء الأحداث!
قال لي لحظة ظهوري على التلفزيون السعودي قبل سنوات «اصبر واجتهد وثابر وسوف تصل يومًا من الأيام ولكن احذر أن تظلم ذي روح»!
* لننتقل إلى الإعلام حدثنا عن خطواتك الأولى نحو التقديم التلفزيوني؟
هو الشغف والسعي للوقوف أمام الميكرفون منذُ الطفولة المبكرة من خلال الإذاعة المدرسية والتي كان لها الفضل في صقل الموهبة ومنح الثقة بالنفس والقدرة على الوقوف أمام الملأ من الناس! ثم كلمة قالها لي والدي رعاه الله وقد لاحظ حرصي على متابعة البرامج الحوارية على القناة الأولى «شد حيلك وخلك مع الرجال».
ومع مرور الزمن زادت الرغبة بالدخول إلى عالم التقديم التلفزيوني وعملت على ذلك بطرق كل الأبواب المساعدة لتحقيق هذا الحلم الذي راودني منذُ الصغر.
ومن أهمها تجهيز النفس بالتدريب حتى إذا أتت الفرصة أخذتها بقوة!
* ذكرت التدريب هل تقصد نيل دورات تدريبية في التقديم قبل التحاقك بالتلفزيون؟
نعم وهذا ما حدث قبل التحاقي بالتلفزيون وقبل أن أجد فرصة الظهور كنتُ قد أخذت العديد من الدورات التدريبية في التقديم والإخراج التلفزيوني والحوار الاتصالي والعلاقات العامة والإلقاء والتأثير واللغة الانجليزية وغيرها كثير مما منحني القوة والفهم والثقة والقدرة على إثبات الذات والحمد لله.
* هل من شخصية إعلامية تأثرت بها وكانت نبراس لك؟
الإنسان الواعي الفاهم لا بد أن يشاهد ويتأمل ويستفيد ممن سبقه لا ليقلده ولكن ليتعرف على أسباب تميزه ونجاحه..
في حياتي تأثرت وأحببت الإعلامي الكبير ماجد الشبل رحمه الله ببهاء إطلالته وجمال أناقته وثقته بنفسه وسحر إلقائه وسعة ثقافته وعشقه لمهنته..
تابعت بشغف في صغري أستاذنا حمد القاضي في رحلته مع الكلمة وكان يطربني بتواضعه وابتسامته وطيب نفسه وهدوئه وجميل طرحه..
أعجبت بأستاذنا محمد رضا نصرالله ومسيرته العاطرة في كل برامجه هذا الرجل يأسرك بفصاحته وثقافته وقوته وارتجاله ونديته في الحوار مع عمالقة الفكر العربي مع اعتزازه بهويته ووطنه وتاريخه وإرثه وتراثه..
أبهرني سفيرنا أ. تركي الدخيل طيلة مسيرته الإعلامية وهو يضئ دروبنا عبر برنامجه «إضاءات» بثقافته العالية الرصينة ومهنيته الفريدة وقوة إعداده ودقته في إختيار ضيوفه ومحاورته للكبار مكانًا ومكانة بأسلوب لم يسبقه إليه أحد وكثير ممن أتى بعده كانوا عالة عليه.
* ما هي مقومات المحاور الناجح؟
المقومات كثيرة من أهمها:
1- الثقافة الرصينة وهذه لا تكون إلا بالقراءة ثم القراءة ثم القراءة.
2- الثقة بالنفس وزادها الإعداد المتميز والقوي لموضوع الحوار والإلمام بكل تفاصيله وأبعاده لا لفرد العضلات على الضيف بل لتفهم ما يقول ويطرح وتذكيره لو نسي! وحتى يهابك ولا يستهين بك!
3- المعرفة التامة بضيف الحلقة وكل ما يتعلق به مؤهلاته مؤلفاته مقالاته إنجازاته، والتواصل معه قبل اللقاء للترتيب للحوار من أجل عقد الألفة والمودة للظهور على الشاشة بالمظهر الراقي.
4- إنزال الضيف منزلته فهو في المقام الأول ضيفك والضيف له حق الإجلال والتقدير والاحترام.
5- الإيمان التام أن كل حلقة يقدمها هي الأولى في حياته لئلا يقتله الغرور ويبقى التميز همه الأول.
* من هو الضيف الأول الذي حاورته في مسيرتك الإعلامية؟
مما يزيدني شرفًا وفخرًا أن أول ضيف حاورته في مسيرتي الإعلامية أستاذنا الكبير د. عبدالله الغذامي حفظه الله وبارك في حياته وكان ذلك قبل قرابة 18 عامًا في منزله العامر باسكان جامعة الملك سعود والذي غمرني بكرمه وأحرجني برقيه وأسعدني بموافقته على محاورته علمًا أنني لم أكن وقتها في سماء الإعلام شيئًا مذكورًا وهذا فضل منه لا أنساه له أبدًا!
* هذا أول لقاء قدمته طيب لو سألنك ما أهم لقاء قدمته في مسيرتك الإعلامية؟
كل الضيوف الذين حاورتهم لهم تقديرهم واحترامهم ومنزلتهم ومكانتهم العالية في قلبي فلهم جميعًا الفضل عليّ فلولاهم لما ظهرت وحاورت وقدمت!
ولكن يبقى التفاوت بينهم في العلم والمعرفة والمكان والمكانة أمر كائن لا محالة وهذه طبيعة البشر والحياة!
وبكل فخر أقول إن تاج حواراتي التلفزيونية وذروة سنامها سلسلة من الحلقات مع السياسي المحنك ورجل الدولة الفريد صاحب السمو الملكي الأمير تركي الفيصل حفظه الله في برنامج مسافة على قناة الإخبارية والذي عُرض في الأيام السبعة الأولى من شهر رمضان المبارك لهذا العام 1444هـ.
* كيف أعددت لهذا اللقاء؟
الأمير تركي الفيصل حفظه الله شخصية معروفة لكل العالم وفي وطني يعرفه الصغير قبل الكبير ومع ذلك بقيت أكثر من 3 أسابيع أُعد لهذا الحوار.. شاهدت له أكثر من 40 لقاء تلفزيوني وقرأت كتابه الملف الأفغاني وعشرات المقالات والحوارات الصحفية التي أجريت معه في الفترة الماضية.
وفوق ذلك أعددت لموضوع الحلقة والذي كان عن سياسة ملوك المملكة العربية السعودية الداخلية والخارجية منذُ عهد المؤسس الملك عبدالعزيز طيّب الله ثراه إلى عهد الملك سلمان وولي عهده حفظهما الله.
هذا الإعداد جعلني أجلس بين يديه وأحاوره عن علم ومعرفة بالضيف وموضوع الحوار.
* ما مدى صعوبته؟
لأكون صادقًا معك الحوار لم يكن صعبًا أبدًا بل هو -بعد توفيق الله سبحانه – من أمتع الحوارات التي قدمتها في حياتي وذلك عائد للأسباب التالية:
1- رقي تعامل الأمير وتواضعه وحسن سمته ولين جانبه وصدق حديثه وإيمانه بقوله منحني القدرة على الحوار وسهّل لي طرح الأسئلة.
2- سرعة بديهة الأمير وقدرته على الإجابة السريعة على أي سؤال وإلمامه التام بتاريخ بلاده الحضاري والسياسي.
3- رغبة الأمير الصادقة في إبراز تاريخ بلاده المشرّف وقادته الميامين منح الحوار متعة وكساه جمالًا وبهاءً.
4- الفريق القريب من الأمير أناس على قدر كبير من الرقي والخلق الرفيع والابتسامة الدائمة وعلى رأسهم مدير مكتبه أ.عبدالله بن شويش وهذا الأمر منحني الراحة النفسية والهدوء والطمأنينة وترتيب الأفكار.
* ذكرت في ثنايا إجاباتك السابقة أن من صفات المحاور الناجح احترام الضيف، ما هي وصفتك لتحقيق هذه الصفة؟
لا بد من إنزال الضيف منزلته التي يستحقها أيًّا كانت صفته ومكانته أو عمره وجنسه ولونه ويكون ذلك عبر مراحل ثلاث..
الأولى: قبل اللقاء بالتواصل معه والتعريف بنفسك له وذكر سبب اتصالك به ومحادثته بأدب وذكر مناقبه و فضائله ليشعر بتقديرك له ومعرفتك به وفي حال موافقته يتم اطلاعه على المحاور للوصول معه إلى النقاط المشتركة ومواطن قوته.
الثانية: خلال تسجيل الحوار وذلك بمنحه الفرصة الكاملة للإجابة وعدم مقاطعته والبعد عن فرد العضلات بين يديه والحذر من التربص بزلاته وفي حال حدوث خطأ من الضيف وكان البرنامج مسجلًا فلا مانع من إيقاف التسجيل وإعادة الإجابة مرة أخرى للظهور بأجمل صورة.
الثالثة: بعد اللقاء وذلك بالتواصل معه وشكره وتقديره وإعلامه بمواعيد بث حلقته وإرسال كل ما يتعلق بها من روابط ومقاطع بعد ظهورها.
* كررت في حديثك القراءة والاطلاع والإعداد كيف أنت والقراءة؟
من فضل الله عليّ أن أكرمني بحب القراءة ويسر لي امتلاك مكتبة منزلية يتجاوز محتواها 3000 الاف كتاب واليوم زادت التقنية سهولة الوصول إلى كل ماهو جديد في عالم الفكر والثقافة وشتى أنواع المعرفة.
* ما هي أبرز الكتب والأسماء التي قرأتها؟
كتب التراث ومن أهمها البداية والنهاية والأغاني والعقد الفريد وتاريخ ابن خلدون مع مقدمته وزهر الآداب وكتب الجاحظ وابن المقفع وابن الجوزي وابن القيم الجوزية وفي العصر الحديث مؤلفات طه حسين والعقاد والرافعي والمنفلوطي والزيات وأحمد أمين وزكي مبارك والقصيبي والخويطر والغذامي وعلي الوردي والغزالي وعبدالرحمن المنيف والشيخ بن عثيمين ونيتشه وغوستاف لوبون وغيرهم كثير.. ولا أنسى كتب السيرة الذاتية فهي مدرسة بحد ذاتها وتحكي خلاصة تجارب من سبقونا في الحياة.
* نعود لمسيرتك الإعلامية من الذي تدين له بفضل دعمك والأخذ بيدك؟
لا أحد يصل بمفرده وبجهده وصبره بل لا بد من أسباب أخرى هي أهم وأشد ساعدته للوصول ومنها:
1- توفيق الله سبحانه وإعانته وتيسيره.
فإذا لم يكن من الله عون للفتى
فأول ما يقضي عليه اجتهاده
2- وجود أشخاص أخذوا بيده وفتحوا له الأبواب وساعدوه ووقفوا معه وساندوه وهم كثير في حياتي والحمد لله ولكن لابد من أشخاص لهم اليد الطولى والفضل الكبير على شخصي أدين لهم بالفضل والجميل وعلى رأسهم:
1- أ. محمد الماضي مؤسس قناة الثقافية هذا الرجل أخذ بيدي وساندني ومنحني الكثير من خبرته وعلمه ومعرفته ومنحني فرصة الظهور الإعلامي وكان سدًا منيعًا في وجه كل من حاول الإساءة لي أو إبعادي أيًّا كانت نواياهم!
كان يتواصل معي دائمًا بعد كل حلقة أقدمها يذكر لي الايجابيات ويعززها والسلبيات ويعالجها.. أكرمني ببرنامج من فكرته وإعداده هو تاج برامجي في القناة الثقافية «قصة التلفزيون السعودي» حاورت قادة وبناة ورواد التلفزيون السعودي منذُ تأسيسه من مذيعين ومخرجين ومعدين وإداريين وقدمت فيه 50 حلقة بمناسبة مرور 50 عاما على تأسيس التلفزيون السعودي ووفر كافة الإمكانيات لنجاحه وظهوره.
2- أ. فارس بن حزام مدير قناة الإخبارية هذا الرجل النبيل أعادني إلى الإعلام بعد غياب عنه (4 سنوات) وعلى منبر وطني كبير ودعمني بكل ما يستطيع ومنحني ثقته وهيأ لي كل أسباب النجاح وتعامل مع شخصيتي القلقة الدقيقة بحكمة وصبر ونبل وله الفضل في استمرار برنامج «مسافة» لخمسة مواسم متواصلة وتسجيل أكثر من 120 حلقة تلفزيونية من خلال متابعته الدائمة ودعم البرنامج بالأفكار والرأي والرؤية ثم هو رجل يستمع للرأي الآخر ويمنحك فرصة النقاش لكن عليك أن تكون مستعدًا له! فهو مثقف رصين وصحفي بارع متمكن!
ومهما قلت عنه فلن أوفيه حقه.
* كيف تستشرف المستقبل في ظل التقدم المتسارع للإعلام؟
مؤمن تمامًا أن القادم أجمل على كافة الأصعدة ومختلف المجالات على ثرى وطننا المملكة العربية السعودية.
وهذا الجمال والبهاء لابد وأن يتزامن معه جهاز إعلامي واثق صادق ينقل بالصوت والصورة حاضرنا المشرق ومستقبلنا الزاهر وماضينا المجيد عبر وسائله المختلفة.
إعلامنا قوي وسيكون في القادم أقوى وكل ما سيأتي من تطور في وسائل الإعلام وأدواته سنكون سادته والمؤثرين فيه فلدينا من الإمكانات البشرية والتقنية والمادية ما تكفل لنا النجاح بل التفوق والتميز.
* شكرًا لك
بل الشكر مني لكم على منحي هذه الفرصة للحديث والإجابة على تساؤلاتكم.
** **
@a_jarwan