من أكبر ما يحزّ في نفس الإنسان أن تلصق به تهمة هو منها بريء!
سمعنا مراراً عن اتهاماتٍ بالعمالة، أو محاولة التخوين، أو ربط الآخرين بزيارة السفارات. مع أن السفارة استضيفت من قبل الدولة حتى تُزار، إما لعملٍ كاستخراج التأشيرة أو لحضور فعاليات أو ذكرى وطنية لهذا البلد أو ذاك. وكل من لديه تأشيرة هو زائر للسفارات. الاتهامات أحياناً تبدو لأول وهلةٍ ذات صيغة شاعرية للأتباع المأخوذين بهذا الرمز أو ذاك، ولكن حين نفحصها نجدها بلا منطق، ولا مبرر أصلاً لإطلاقها. قبل أيام برزت اتهامات متبادلة بين بعض ممن ينشطون في مجال الحقوق وسواها.
يظنّ البعض أن انتقاد السجال الشخصي يعني المطالبة بإلغاء الاختلافات والصراعات، وهذا خلاف ما أقصده. الصراعات بين التيارات ضرورية ولا غنى عنها، وهي سنة الحياة. يبحثون عن وهم أولئك الذين يتمنون أن يكون المجتمع موحداً في أفكاره وكل تفاصيله، ذلك أن الوحدة يمكن أن تكون في إطار التنوع. يُشلّ المجتمع حين يفقد الصراعات، وتتحول المجتمعات، كما في بعض الدول البوليسية، إلى جموع تصف في صالة امتحان، حيث الاستبداد والرقابة والمحاسبة على الرأي والفكر والتعبير والمقالة.
لهذا فرق كبير بين الصراعات الممتازة، والتي تثري الساحة الإعلامية والثقافية، وبين التخوين المتبادل الذي يحز في نفس الإنسان أن يقرأه من صحفيين نبلاء نربأ بهم عن الوقوع في مثل هذا الخطأ.
لنفرق دائماً بين الصراعات الفعالة، وبين الخصومات التي تسيل بسببها الاتهامات. التخوين في المواطنة والتكفير في الدين وجهان لعملةٍ واحدة. لنفكر بالقضايا التي نختلف حولها، نفاجأ بأنها مسائل خلافية عادية يسوغ فيها التنوع وتحتمل الاختلاف، كلها موضوعات تتعلق بآراء واجتهادات حول الشكل المدني الذي نريده، والضغط المستمر على مسافات الاختلاف والتباين يولد الخصومة الاتهامية التي أتحدث عنها.
قال أبو عبدالله غفر الله له: الحديث عن”منافقين” أو “خونة” أو “عملاء” خطير جداً، لأنه ينزع صفة الصدق في المواطنة عن الإنسان. وأتمنى من زملائي أن يستمر الصراع الفكري المفيد، وأن نبتعد عن التهم التي تطلق جزافاً، وتؤذي الإنسان في ذاته ونفسه وقرابته.
الصراع مهم للغاية، ومجتمع لا صراع فيه مجتمع شارف على الوفاة. المزيد من النقاش والسجال، والقليل من الاتهامات وتبادل التخوين.