أعقل الناس من يُتقن خوض معركته الحقيقية في هذه الحياة.
الحق أن هذه المعركة ليست ضد أحد سوى نفسك أيها الإنسان!
ُيُمضي العقلاء حياتهم وهم يحاولون أن يسوسوا أنفسهم، يسعون للَِجمِها عن طُغيانها. ألم يقل البوصيري يوماً:
والنفسُ كالطفلِ إن تُهمله شبّ على** حُبِ الرضاعِ وأن تفطِمه ينفطمِ
إن تسعة أعشار مشاكل الناس الحقيقية، ليست مع الآخرين، بقدر ما هي مع أنفُسهم!
إن هذه المشاكل تتلخص في النظرة التي ترى الآخرين بها. فتصنيفك لفلان أو لعلان من الناس بأنه شخص مُعادٍ لك، ليس صحيحاً بالضرورة، فقد تكون بنيتَ هذا الموقف، أو ذاك القرار، على ظنون مجرّدة!
“نظر إلى يمينه في إشارة واضحة على تهكمه بي”.
“لقد كان يعنيني بتلك الجملة الجارحة”.
“إنها كانت تقصدني بلمزها وغمزها”.
وما أكثر الأمثلة…
الحياةُ، لا تُبنى على التوافه، ولا تتوقفُ عند الصغائر، وبإمكاننا أن نصغرَ مع الصغائر بقدر ما نضعها قبالة اهتماماتنا، وبإمكاننا أن نتسامى عليها، ونكبر عليها، بأن لا نعبأ بها، أو نُلقي لها بالاً. فلنتذكر دوما، أننا أكبر وأهم من أن ننغمس في التوافه.
بوسع كُلٍ منا، أن يكون صغيراً إذا ما استغرقته الأشياء الصغيرة، وفي المقابل فإنه يكبر بقدر إعراضه عن الصغائر.
ثمة نقطة مهمة، وهي أننا جميعاً، نقع في فخ الصغائر أحياناً، لكن الكبار، ليسوا من يضمنون عدم وقوعهم في هذا الفخ، بل هم ينتشلون أنفسهم من الوحل بسرعة.
أسهل شيء في الدنيا أن نلقي بحمولة المسؤولية الثقيلة على الآخرين… على الغرباء… على من لا نحب… على البعيدين… على الطرف المقابل…
هذا يرضي ذواتنا للوهلة الأولى، لكنه لا يقنعنا إذا صدقنا مع أنفسنا.
السر يكمن في الحل الأصعب، أن نقول لأنفسنا الكلمة الصعبة، مع كامل الوعي بالحقيقة المرة: إنها مشكلتي وليس على أحد غيري أن يضطلع بحلها. أنا المسؤول عن حل مشكلتي. لا أحد يجب أن يُلام على مشاكلي غيري.
أسهل الحلول، أن نتقاذف السهام من طرف لآخر، وكأن خروج السهم من محيطنا يعني خلونا من المسؤولية.
قد نحسن التبرؤ من المسؤولية أمام الآخرين بسهولة، لكننا نعلم في قرارة أنفسنا، أن ثمة لدينا، في دواخلنا ما يستحق اللوم، ونحن لم نصدق في البحث عنه، ولا وجهنا اللوم لأنفسنا في سبيل الحل.
قلتُ: والمحظوظ من فهم نفسه فأصلحها قبل أن يسعى لإصلاح غيره، وقديماً قال أبو حيان التوحيدي: “لقد أشكل الإنسان على الإنسان”.