تكاثرت البرامج الحوارية الفضائية حد التناسخ، إلا أن برنامج “اضاءات” حقق حضوره المختلف. فهو البرنامج الذي يقدم الجدل الفضائي في القضايا الفكرية والاجتماعية بنكهته المحلية. واستطاع الإعلامي تركي الدخيل أن يستحوذ على اهتمام المشاهد السعودي والعربي بقدرته على استقطاب شخصيات ووجوه لها حضورها في المشهد المحلي. وبمناسبة إصدار برنامج “اضاءات” في كتاب مطبوع. كان هذا الحوار مع مقدمه تركي الدخيل .
@ لماذا جاءت فكرة توثيق برنامج إضاءات في كتاب مطبوع ؟
- بداية كانت الفكرة حاضرة لدي منذ فترة ليست بالقصيرة، منذ أن كان البرنامج يبث على أثير الإذاعة في العام 2002، ثم عزز الفكرة طلبات متكاثرة من مهتمين، وإصرار الناشر الصديق محمد العبيكان على تقديم البرنامج في كتاب. لقد كان العبيكان يُلح علي في إخراج “إضاءات” كتاباً، بل إن هذه الفكرة هي سبب تعرفي عليه، وهي مناسبة مواتية لأقول إني كسبت صديقاً ساهم في طرحي لكتابين قبيل “إضاءات”؛ هما “ذكريات سمين سابق”، والذي طبعنا منه أربع طبعات في دار العبيكان للنشر، ونستعد لطرح الطبعة الخامسة، محققين بذلك أكثر من خمسين ألف نسخة مبيعاً من كتاب لم يمض على نشره أكثر من عشرة أشهربمعدل خمسة آلاف نسخة مباعةً كل شهر، مما جعله يتسنم ذروة أحد الكتب الأكثر مبيعاً في العالم العربي بفضلٍ من الله. ثم من خلال كتابي الثاني “سعوديون في أميركا” الذي يُطرح في الأسواق في الأيام القليلة المقبلة، عن ذات الدار أيضاً، وهو ما أرجو له قبولاً لدى القارئ العربي يتوازى مع استقبال القارئ للكتاب الأول. أحسبُ أن “إضاءات” كان ميداناً للكثير من السجالات والتحولات الفكرية للمجتمع في وقت موار ثقافي لكافة الأطياف الفكرية إجمالاً، وتحديداً لشخصيات ساهمت في الكثير من حراك المنطقة ثقافياً، واجتماعياً، بل وسياسياً.
@ إذا ما اعتبرنا أن رتم برنامج إضاءات في الحوار سريع جدا. . وهذا الإيقاع الحواري صالح للمشاهدة، هل سيفقد الحوار وهجه عندما يصدر في كتاب ؟
- لا أظن أن رتم البرنامج “سريع جداً” كما تفضلت في سؤالك. هل هو سريعٌ؟! هذا صحيح، ولكن ليس إلى الدرجة التي تجعل ما فيه من معلومات قابلة للتبخر في بحر السرعة بحيث لا تتناسب مع النشر في كتاب، ولا تحتويها أسطرٌ وكلماتٌ مكتوبة. إن ارتفاع الطلب على حلقات “إضاءات” المفرغة في موقع “العربية. نت” حتى بعد مضي أشهر على بثها على التلفزيون يؤكد أن الحوار السريع إذا كان عميقاً لا يذهب أثره بالضرورة أدراج الرياح يا صديقي.
@ هل سيضم الكتاب كل الحوارات التي قدمت في البرنامج؟
- لقد هيأتُ الحلقات لتكون مطبوعةً بحسب عرضها التاريخي في البرنامج للنشر، على أساس نشر كل حلقة في كتاب صغير بالإضافة إلى قرص ض فيه تسجيل لذات الحلقة، لنضع القارئ في موضع الاختيار بين أن يقرأ المادة مكتوبة أو يشاهدها مسجلة عبر الشاشة، أو يجمع بينهما على ما يتهيأ له من وقته الكريم. إن الفكرة في الجمع بين التسجيل والكتابة، نقل المنطوق إلى مكتوب، فيه شيء من التصرف وفقاً لاجتهاد الناقل. ولما كانت المرحلة حساسة ودقيقة، فإن المتلقي يملك الاختيار والحكم على تقدير المذيع الكاتب، في نقل المنطوق إلى مقروء، ومدى صوابه في الصياغة من عدمها. بمعنى آخر، نريد أن ندلل المتلقي، ونقول له: أنت الهدف الرئيس من العملية الإعلامية بمجملها، تلفزيونية أو كتابية، فاختر ما شئت. وربما يجيب هذا الوضع أيضاً على سؤالك السابق بشكل آخر.
@ في إضاءات نجد الحوار يتخذ طابع التحقيق البوليسي مع الضيف. ليس هناك تجادل بل المسألة تذهب إلى انتزاع اعترافات بما قال الضيف وبمحاكمة ارائه السابقة، وهذا المنحنى الذي يعتمد على الإثارة لا يمكن أن يأخذ البرنامج إلى حالة التوثيق للحظة الراهنة. كيف ترى أنت هذه المسألة؟!
- أولاً أشكرك على مهنيتك، لسببين، الأول: أنك في سؤالك، لم تصفني بالإضافة إلى ما تفضلت به بأنني سبب خرق الأوزون. والثاني: أنك تفضلت بإصدار أحكام عليَّ وعلى “إضاءات”، ثم قادتك مهنيتك المحضة بعد هذه الأحكام لتسألني كيف أرى هذه المسألة؟! هل تركت لي يا طامي رأياً بعد أن قلت أن الحوار الإضاءاتي:يتخذ الطابع البوليسي مع الضيف؟ ليس هناك تجادل، بل انتزاع اعترافات، محاكمة آراء الضيف السابقة، المنحى الإضاءاتي يعتمد على الإثارة، لا يمكن أن يأخذ البرنامج حالة التوثيق للحظة الراهنة. خمسة أحكام في سؤال ضمن حوار صحافي!نفع الله بك وبمهنيتك . أشكرك لأني لستُ سبباً في الغزو الأميركي للعراق، وانخفاض الأسهم بل انحدارها المهول، وخسارة المنتخب لكأس الخليج، وربما ارتفاع نسب الطلاق!رأيي أنني لا أمارس هذا الشكل من المهنية في إضاءات، بل أنقل للضيف ارائه وأطالبه ببيانها. هل يستوي منهجي ومنهجك مثلاً؟!
@ تقول: “أنقل للضيف آراءه وأطالبه ببيانها”، ألا نشم في هذه العبارة الطابع البوليسي؟ الضيف لديك متهم، أليس كذلك؟!
- ما قصتك والبوليس يا صديقي (قالها ضاحكاً)، حسناً ربما استفزتك لفظة (أطالبه)، سأستبدلها ب(أطلب) منه مشكوراً مأجوراً. هل ينفع؟! الأصوليون يقولون: لا مشّاحة في الاصطلاح يا عزيزي.
@ البرنامج يقتات على شهرة الضيوف ولم يصنع نجومه، ولم يأتِ بشخصيات جديدة على المشاهد لكي يكون للبرنامج لمسة الابتكار ومفاجأة المشاهد بشخصيات لم يكن يعرفها. . فغالباً ما نجد تلك الشخصيات تكرر اراء وحكايات معروفة سلفا للمشاهد .
- برغم أني لم أجد سؤالاً في المداخلة الآنفة، بل مجرد آراء مسبقة، ومعلبة، لكني أفترض أنك تعرض عليّ هذا الرأي وتطالبني بأن أبدي وجهة نظري حياله، وبالتالي فإني أقول بناءً على هذه الفرضية: إن هذا ليس صحيحاً على إطلاقه، فقد قدم البرنامج شخصيات لم يكن لها ظهور تلفازي بهذا الحجم من قبل. صحيح أنني لم اخترع العجلة من خلال ضيوفي، فالبرنامج لم يوجدهم بطبيعة الحال من عدم، ولولا أطروحاتهم الجديرة بالاستضافة لما كانوا في البرنامج، ولو من وجهة نظر فريق الإعداد على الأقل، لكني أضرب لك مثالاً بما سبق أن ذكره لي الأستاذ إبراهيم البليهي، بعد ظهوره في “إضاءات”، عندما قال لي: أكتبُ منذ أكثر من ثلاثين سنة، لكن الناس لم تعرفني إلا بعد أن ظهرت في إضاءاتك. لقد قال الكثيرون عن إضاءات إن ضيوفه هم من رواد الشوارع الخلفية، وأنت اليوم تقول إن ضيوفه معروفون. وأقول بأن حضور الضيف في إضاءات وإن كان معروفاً مشهوراً لدى فئة من المشاهدين، فإنه سيكون ظهوراً مختلفاً عما عُهد عنه في أوساطه المعتادة يا عزيزي.
@ هل وجدت هناك اختلافاً في البرنامج حين كان يبث على أثير الإذاعة وبعد أن تحول إلى برنامج تلفزيوني؟ هل لعبت الصورة دوراً ما في تكنيك المحاور تركي؟!
- بطبيعة الحال تحولت فكرة البرنامج بعد انتقاله إلى التلفزيون من برنامج كان موضوعه الفكرة، إلى كون الضيف موضوع البرنامج، وهذا حدث منذ آخر بضعة حلقات في الإذاعة حقيقة. الصورة في التلفزيون مهمة جداً بطبيعة الحال، لكني أصدقك قولاً إني منذ الحلقة الأولى مع الدكتور غازي القصيبي نسيت الكاميرا، ليس لأني امتثلت لنصائح الزملاء التلفازيين، بل لأني انشغلت بغازي القصيبي عن الكاميرا، فاشغلني الفاضل عن المفضول، وكانت خيرة لي بعد ذلك. أصبحت أنشغل بتفاصيلي مع ضيفي عن الكاميرا، ما خلا الافتتاح والتقفيل.
@ أن يكون برنامج إضاءات لعب دوراً تنويريا كما تقول، ألا مبالغة ترى في هذه العبارة مع ملاحظة أن البرامج الفضائية التي تستضيف أطيافا من الشخصيات السعودية متعددة؟
- أشكرك على سؤالك، لأني اعتبره مهماً، وذلك لأني لم أقل في أي من إجاباتي أن برنامج “إضاءات” لعب دوراً تنويرياً! أتحداك أن تثبت أني قلت جملة كهذه. ومن هنا تكمن أهمية سؤالك، في أنك تركت لي الفرصة لأرد على زعمك بأني قلت كلمة لم أتفوه بها. وتركت لي المجال لأنفي. أود التأكيد على أمر، وهو أن ما يهمني هو أن أقدم مادة إعلامية جديرة بالمشاهدة، تليق بوقت المشاهد الكريم، أما التنوير والرسالية فليست شأني، وسأتركها لأربابها. وبخاصة وأنها متغيرة من زمن إلى زمن، ومن فريق إلى آخر.
@ أنت لم تذكرمفردة “التنوير” تحديداولكنك قلت “إضاءات” كان ميداناً للكثير من السجالات والتحولات الفكرية للمجتمع في وقت موار ثقافي لكافة الأطياف الفكرية إجمالاً. ألا يُفهم من هذه الجملة بأن البرنامج لعب دورا تنويرياً؟
- لا. لا أعتقد أن جملتي تحتمل هذا المعنى الوارد في سؤالك. أنا لا أنفي إمكانية أن يقوم البرنامج بأدوار إيجابية، لكنني لم أدعِ يوماً أو أقل ان البرنامج يلعب دوراً تنويرياً. أعرف قيمتي جيداً، لكني لا أقول ما لا يحق لي قوله، وفي الأثر:”المتشبع بما لم يُعط كلابس ثوبي زور”.
@ كيف تصنف رضا الأطياف الفكرية على البرنامج ؟
- هل ترى أني أستطيع أن أحصي الأطياف الفكرية كلها، وفي إجابة واحدة؟! بالتأكيد هناك من يغضبه البرنامج من اليمين إلى اليسار، وبين هذين الرأيين آراء في المنتصف، تثني على البرنامج تارة، وتتحفظ على بعض ما فيه تارة أخرى. لكنها إجمالاً ومع التقادم خصوصاً باتت تعبر عن رضا جيد عن البرنامج، وهذا مرضٍ إلى حد كبير.
@ هل أسئلتك لضيوف إضاءات نابعة من قناعة شخصية، أم أنك تسأل الأسئلة التي تعتقد أنها تحقق الإثارة للمشاهدين ؟
- كيف يمكن أن تكون أسئلتي نابعة من قناعة شخصية وهي تعرض وجهات نظر متباينة ومختلفة أحياناً في نفس الحلقة وعلى نفس الضيف؟! أطرح ما احسب أن كثيراً من المشاهدين يتمنون أن يسمعوا أجابته من الضيف.
@ هل هناك شخصية فشلت في انتزاع ما تريده منها من إجابات محددة ؟
- لو كنتُ أريد انتزاع إجابات محددة لكنتُ كما اتهمتني في البداية محققاً بوليسياً! هل تحاول أن تلتف علي بسؤالك بصيغة أخرى؟حسناً هذا ذكاء، لكنه يندرج تحت المثل الذي يتحدث عن بائعي التمر لأهل هجر يا طامي.
@ من هي الشخصية التي تتمنى استضافتها ؟
- كثيرون. أتمنى أبو عبدالرحمن بن عقيل الظاهري، عبدالكريم الجهيمان، والشيخ صالح اللحيدان. وغيرهم كثير ربما غابوا عن بالي الآن.
@ هل ستكون هناك لقطات من كواليس البرنامج تقدم كإضافة للمشاهد في نسخة قرص DVD؟
- لأننا لا نمنتج البرنامج حتى الآن، ولا نحذف منه شيئاً بل نبثه كما نصوره، فليس هناك ما يمكن أن يقدم خلاف ما يبث على الهواء.
@ هناك مواقف طريفة تحدث مع ضيوف البرنامج، هل تسرد لنا شيئاً من تلك المواقف؟
- حاولت أن أكتب ما يمكن أن يكون مختلفاً أو غريباً أو يستحق الكتابة في مقدمات الحوارات. ستجد في مقدمة كل حوار بعضاً من تلك المواقف الغريبة أو الطريفة، أو على الأقل إجراءات ترتيب الحوار والإعداد له.
@ بعد هذا الزمن لبرنامج إضاءات، هل أصبح لتركي الدخيل بصمته وأسلوبه الخاص في إدارة الحوار؟
- إن كان ثمة شيء من هذا فلست أنا الذي أحدده أو أقوله، هذا رأي السادة والسيدات المشاهدين أولاً، والمتابعين والمهتمين والنقاد ثانياً.