من أجمل قصائد أبي الطيب تلك التي تقيم جدلا للعلاقة بينه وبين سيف الدولة على عرى المحبة، وكعادته يؤكد في قصيدت أن الصداقة تقوم على كتمان السر بين الصديقين، فلا يظهر ولا يشاع، وإن رضىي المحب فإن الشاعر يرضى لأن رضاه هو الأمر الوحيد الذي يختاره، ثم يصوّر نفسه بأنه ذو مروءة ومحبة خالصة فلا يفشي بالسر، والسر لشدة إخفائه في قلبه هو ميت إماتة لا يحيا بعدها.
لقد حدد أبو الطيب في أبياته هذه ما يجب أن تكون عليه الصداقة والمحبة الوفاء بين الحبيبين من حفظ للمودة وللسر.
يقول في القصيدة:
رِضاكَ رِضايَ الّذي أُوثِرُ
وَسِرُّكَ سِرّي فَما أُظْهِرُ
كَفَتْكَ المُرُوءَةُ ما تَتّقي
وَآمَنَكَ الوُدُّ مَا تَحْذَرُ
وَسِرُّكُمُ في الحَشَا مَيّتٌ
إذا أُنْشِرَ السّرُّ لا يُنْشَرُ
كَأنّي عَصَتْ مُقْلَتي فيكُمُ
وَكَاتَمَتِ القَلْبَ مَا تُبْصِرُ
وَإفْشَاءُ مَا أنَا مُسْتَوْدَعٌ
مِنَ الغَدْرِ وَالحُرُّ لا يَغدُرُ
إذا مَا قَدَرْتُ عَلى نَطْقَةٍ
فإنّي عَلى تَرْكِها أقْدَرُ
أُصَرّفُ نَفْسِي كَمَا أشْتَهي
وَأمْلِكُهَا وَالقَنَا أحْمَرُ
أتَاني رَسُولُكَ مُسْتَعْجِلاً
فَلَبّاهُ شِعْرِي الذي أذْخَرُ
وَلَوْ كانَ يَوْمَ وَغىً قاتِماً
لَلَبّاهُ سَيْفيَ وَالأشْقَرُ
فَلا غَفَلَ الدّهْرُ عَن أهْلِهِ
فإنّكَ عَيْنٌ بهَا يَنْظُرُ
جميع الحقوق محفوظة 2019