(32) بِذَا قَضَتِ الأيامُ مَا بَينَ أَهلِهَا * مَصَائِبُ قَومٍ عِندَ قَومٍ فَوائِدُ
(قضت الأيام): قضاءُ الأيام إنما يكون بما استقرَّ فيها من سُنَن الحياة.
(ما بين أهلها): أهل الأيام هم الناس، الذين عبَّر عنهم الشاعر في عَجز البيت بـ«القوم». والقوم: هم جماعة من الناس تجمعهم جامعةٌ تُقرِّبُ بعضَهم من بعض، وتربط بينهم مجموعة من العلائق أو الأعراف أو المصالح أو كلّ ذلك.
ومن سُنن الحياة أن أحداثها تفيد أناساً، وتضرّ آخرين في الوقت نفسه، واستخدم المتنبي مرادفاً للضّرر، كلمة (مصائب).
والمصائب: جمع مصيبة، وهي أمرٌ يُصيب المرء بما لا يُحب، بل بما يكره أحياناً، وهذه الإصابة قد تكون حسيةً، وقد تكون معنويةً.
والفوائد: جمع فائدة، وهي كلُّ ما يجنيه الإنسان من معرفة أو عمل أو مال، وتحصل له به فائدة، أي: زيادة حسية، أو معنوية.
وقدّم الشاعر المصائب على الفوائد، لشدة أثر وقع المصيبة (وهي مفردة)، على المُصاب، فكيف إذا كانت مصائب!
هذه السُنّة الحياتية، أو المعادلة: مصائبُ قومٍ عند قومٍ فوائدُ، تبدو في ظاهرها، معادلة غير عادلة، لكن هذا غير صحيح، فكما أن المعادلة تقع ضمن قضاء الأيام ما بين أهلها، فإن من قضاء تلك الأيام أيضاً، ما هو سُنَّةٌ متمِّثلةٌ في كون الدنيا دَوَّارةً، ودورانها كفيل بتغيير مواقع أهلها الذين تدور بينهم، فيهبط من كان مرتفعاً، ويرتفع من كان هابطاً، والمعنى أن المصائب لا تلازم قوماً بعينهم على الدوام، ولا الفوائد مختصة بقوم دون غيرهم الوقت كلّه، إذ المصائب والفوائد في انتقال دائم بين هؤلاء وأولئك.
إن التنقل من طبع الأيام، «ولا يدوم على حالٍ لها شانُ».
قال البرقوقي: «وفي هذا المعنى يقول أبو تمام:
مَا إِنْ تَرى شَيْئاً لِشَيءٍ مُحْيِيَا * حَتَّى تُلاقِيهِ لِآَخَرَ قَاتِلَا
وهو معنى قديم، ولكن المتنبي صاغه أبدع صياغة وأوجز».
(33) والغِنَىفِييَدِاللَّئِيمِقَبِيحٌ * قَدْرَقُبْحِالكَرِيمِفيالإمْلَاقِالغنى: المالالفائضعنالحاجة،وهوالثراء.
اللئيم: خلافالكريم،وهوالشحيح،دنيءالنفس،خسيسالطبع.
قبيح: ذوقُبحٍ،وهومايأباهالعُرف.
الكريم: كثيرالخير،الجواد،المُعطي.
الإملاق: الفقروالعسرة.
يقولالشاعر: إنالغنىوالمالالكثير،قبيحعنداللئيمالبخيلالشحيح،صاحبالنفسالدنيئة،فجمالالمالِبإنفاقه،وزينةالمالفيتدويرهليكونفيمتناولأيديالناس،وبقدرماتزيدأيديالبشرالتييصلهادورانالمال،يزينُالمال،وبالعكسيشينالمال،إذاحُكِرفييَدٍواحدة،فلميخرجمنهالغيرها.
وقبحالغنىفييدالشحيح،قدرقبحالعسروالفقرإذانزلبالكريمالمعطاء.
ونحوبيتالقصيد،قولُأبيتمَّام:
كَمْنِعْمةٍللهِكَانَتْعِنْدَهُ * فَكَأَنَّهافيغُرْبَةٍوَإِسَارِوقولُالعَدَوي:
نِعْمَةُاللَّهِلَاتُعابُوَلَكِنْ * رُبَّمَااسْتُقْبِحَتْعلىأقْوامِلَايَلِيقُالغِنَىبوَجْهِأَبي [يَعْ * لَى] وَلَانُورُبَهْجَةِالإسْلامِوَسِخِالثَّوْبِوالقَلانِسِ [وَالْبِرْ * ذَوْن] والوَجْهِوالقَفاوالغُلامِالمعنى: ميزةالكريمبكرمه،والكرملايتحققبلاثراء،فإذالميكنالكريمثرياًغنياً،فإنهلايستطيعفعلمايتميزبهويفضلبهعلىغيره،وألَّايُمارسالكريمكرمهقبيح،كماأنغِنىاللئيم،وكثرةالمالفييده،تجعلهيزيدممارسةشحه،وإمساكالمال،ومنعنفقتهوبذله،وهذاأمرقبيح،ففيالصورتينوقعالإمساكوالبُخلوالشُح،ولذلككانالقبحمُتحققاًفيالحاليْن،وحيثماكانالشُحُّحَلَّالقُبحُ.