إضاءات – تركي الدخيل
تشرفتُ بالمشاركة في إحدى ندوات المنتدى الإعلامي السعودي، الذي انعقد بالرياض الأسبوع المنصرم، وتحدثت اختصاراً أننا نحن السعوديين، لا نحتاج إلى أن نقدم تجميلاً لصورتنا، بقدر ما نحتاج أن نقدم أنفسنا للآخرين، كما نحن. مجتمع طبيعي حي، يرفل بالحيوية، وينبض بالحياة، وفيه وجهات نظر، بعضها متباين، وبعضها متقارب.
نحن مجتمع مثل شعوب الأرض، نملك قيماً، قد يخرقها آحادنا، لكنهم لا يشكلون الغالبية، وبالتالي، فلسنا ملائكة، يمارسون أفعال الطهارة، على مدار الساعة، دون أن تكتنف هذه الممارسة، زلةٌ هنا، أو هنّةٌ هناك. وفي الوقت ذاته، لسنا شياطيناً، ندمن أفعال الشر، وممارسة الخطايا!
تصويرنا باعتبارنا مجتمع كامل، مثالية لا يُمكن أن تتحقق، ووهمٌ لا صحة له بتاتاً!
قبل سنوات، ومع صعود الممارسات الإرهابية، كنت أقول بأن المسارعة إلى نفي سعودية مرتكب جريمة ما، وإن كان أمنيتنا كلنا، لكنه ليس التصرف الصحيح؛ فالسعودي قد يخطئ، كما يخطئ غيره.
من جهة أخرى، يجب أن نكون أكثر واقعية، ونعترف بمشاكلنا، وأخطائنا، وننتقل من الاعتراف، إلى العلاج، وهذا هو الذي يرفعنا، لا ننفي أن احتمالية أن يرتكب أحدنا الخطأ أصلاً، فالأخطاء كبيرها وصغيرها، لا جنسية لها، ولا ملة، ولا مذهب، بل هي ممارسة بشرية، أياً كان انتماء الكائن البشري المخطئ، ومهما كانت جنسيته، أو ديانته…
الخطأ، ينسب للفرد، لا للجنسية، ولا الجندر، ولا الدين، ولا المذهب. فالمسارعة لتبرئة ما لا يلحقه الخطأ، تشكيكٌ فيه، وتقليلٌ من قيمته، وإنزاله من عليائه.
أعود للحديث عن المجتمع السعودي، الذي أقول أن تعرف الآخر، على عينات مختلفة ولو كان اختيارها عشوائياً، كفيل بأن يبين لهذا الآخر، ما في هذا المجتمع من معدن طيب، هو الأصل، وما سواه استثناء طبيعي، ينطبق على مجتمعات الدنيا.
وأدلل، على ما سبق، بتعامل السعوديين مع خطوات التطوير والانفتاح الأخيرة، والتي تقتضي بالضرورة حضور حشود بشرية بالآلاف، من مختلف الطبقات، والثقافات، والأعمار، رجالاً ونساءً، صغاراً وكباراً، ومع ذلك، فحوادث الخروج عن الآداب العامة، محدودة، معدودة، بما يجعل قلتها تتلاشى في بحر الحشود التي تصل لعشرات الآلاف أحياناً.
ربما، اكتشفنا، نحن السعوديين، بالتجربة، وعينا، ورقينا، في تعاملنا وسط الحشود البشرية، في وقت حاول البعض تصويرنا ذئاباً بشرية، تستعد للانقضاض على فرائسها، بممارسة كل خرق للآداب، وكل شرخ للقيم!
هذه الممارسة الجمعية الواعية، والراقية أخلاقياً، من الشعب السعودي، تربي الأجيال الجديدة على القيم والأخلاق والأصول، دون مواعظ مباشرة، ولا نصائح تشبه الفضائح، بل بمجرد السلوك الجماعي الحميد.
الوعي الجمعي السعودي اللافت، يستحق التقدير والشكر والإجلال، لكل سعودي وسعودية، ويليق به أن يُلاحظ ويثنى عليه، ليزداد الوعي بأهمية هذه الممارسات الأخلاقية الرفيعة.
الإنسان العاقل، يرتقى بممارسة الفضائل، منزلة تفوق منزلة الملائكة، فاختيار الخير، تفضيلاً له، مع إمكانية اختيار الشر، تفوق منزلة من خلق مجبولاً على ممارسة الخير، دون اختيار، والله أعلم.