بصوت د. علي بن تميم
في هذه المختارات التي بعنوان: “عنترة … شاعر الفروسية والحب” يعيد د. علي بن تميم اكتشاف بعض الجوانب المجهولة من شعر عنترة العبسي، ففي حين يشتهر عنترة بشعر الحماسة والحرب وقصة حبه الشهيرة لعبلة، فإن شعره يحتوي على قدر كبير من الحكمة والتأمل والتبصر في أحوال البشر، والقصيدة المختارة هنا تصور وفاء عنترة وولاءه للرجال الذين ربوه في الطفولة، ويؤكد بأنه وإن سكت عن الأعداء فإنه ليس بناس، لأنه سرعان ما يجرد حسامه إن تعرّضوا لمكروه دفاعا عنهم بسيف ما إن يستلّه حتى يكون كموج البحر، ثم أنه رغم ما يحدثه من قتل في الأعداء لا يهتز له جفن ذلك لأن قلبه أقسى من الحديد، كيف لا وهو الشارب في صغره من لبن الحروب.
سكتُّ فَغَرَّ أعْدَائي السُّكوتُ وَظنُّوني لأَهلي قَدْ نسِيتُ
وكيفَ أنامُ عنْ ساداتِ قومٍ أنا في فَضْلِ نِعْمتِهمْ رُبيت
وإنْ دارْتْ بِهِمْ خَيْلُ الأَعادي ونَادوني أجَبْتُ متى دُعِيتُ
بسيفٍ حدهُ موج المنايا وَرُمحٍ صَدْرُهُ الحَتْفُ المُميتُ
خلقتُ من الحديدِ أشدَّ قلباً وقد بليَ الحديدُ ومابليتُ
وفي الحَرْبِ العَوانِ وُلِدْتُ طِفْلا ومِنْ لبَنِ المَعامِعِ قَدْ سُقِيتُ
وَإني قَدْ شَربْتُ دَمَ الأَعادي بأقحافِ الرُّؤوس وَما رَويتُ
فما للرمحِ في جسمي نصيبٌ ولا للسيفِ في أعضاي قوتُ
ولي بيتٌ علا فلكَ الثريَّا تَخِرُّ لِعُظْمِ هَيْبَتِهِ البُيوتُ