أكثر الوسائل للتعبير عن الإيجابية: ممارسة النقد!
كنتُ وما زلت أحاول أن أكون إيجابياً في نظرتي للأمور. أحاول تلمُس الإيجابية في أرض النقد. والأمم الكبرى التي نشأت وترعرعت ونهضت من كبواتها قامت على النقد العميق من قبل أفراد أخذوا على عاتقهم مهمة النقد. الإيجابية ليست أن تضحك من آلام الناس. وإنما أن تُحاول إيجاد حلّ لها. الذين يضحكون بينما يتألـّم الناس هم أناس شامتون في الغالب. نحن في مجال النقد للواقع نعيش مفارقة غريبة. حينما نرى الذين يمدحون الواقع “وأن كل شيء زين”، نعتبرهم معتدلين مرموقين. لا يرفّ لهم جفن من مصائب الناس. من فقر، وأخطاء طبية، وفرض التفاوت والوساطات، والفساد المالي. تراهم ببشوتهم الضخمة الفوّاحة بدهونات العود يُوهمون الناس أن كل شيء ممتاز.
في نظرية المؤامرة، يرى الناس أن الغرب يتكالب على المسلمين لغرض زعزعتهم وضربهم. بينما نحن في حالة لا تسرّ إلا الأعداء. وأكثر مرحلة يمكن أن يستريح معها العدوّ هي مرحلتنا الحالية. يصفُ البعض الذين ينتقدون الواقع أو المجتمعات الإسلامية والعربية بأنهم يجلدون الذات. وسؤالي: ماذا عن الذين يسرّهم الواقع هل هم يقومون بـ”مساج” للذات؟!. إن الواقع بحاجة ماسّة إلى النقد الصادق من أفراد غيارى على مجتمعاتهم يحسّون بآلامه، ويحزنون لحزنه، ويفرحون لفرحه. فكرة المؤامرة تنطلق من مقدمة خاطئة، وهي أننا بخير وأن الغرب يريد أن يجعلنا نتخلّف!.
قلتُ: مهما كان النقد مؤلماً وجارحاً، فهو حتماً لا يأتي إلا من محبّ غارق في الهيام بمجتمعه وأمته، ويريد لهما الخير، ولو كان عدواً للأمة أو لله ورسوله، لما وجدَ وقتاً للفرح والاحتفال أفضل من هذا الوقت. لو كان النقاد الذين ينتقدون بقوة وشراسةٍ أعداء للأمة لوجدناهم فرحين مغتبطين بما تعيشه المجتمعات الإسلامية والعربية منذ قرون. لما احتاج الناقد إلى تأليف الكتب وإنتاج المقالات لإخراج أمته من الظلمات والتحديات.
قال أبو عبدالله غفر الله له: الإيجابية هي في ممارسة النقد المستمرة. وليست في المدح الأجوف. وإنما في النقد المستديم. وأخشى ما أخشاه أن يكون مصطلح “جلد الذات” اخترعه النافذون في الفساد والفرحون بالانحطاط والتخلف الذي تعيشه المجتمعات. وأكثر ما يخيف تلك الطغمة النقادَ الذين يغارون على أي خدش يقع على جسد المجتمع. لهذا فإنني أربط بين الإيجابية والنقد. لأن ذروة السلبية أن تعرف الفساد ثم تواجهه بالضحك أو السكوت.