وجوهٌ في المدى – فهيد العديم
تركي الدخيل، وهكذا كأنك تفتح الباب لتغرق بصور ذهنية متعددة لشخصٍ واحد, غرق لذيذ، كأن تغرق بشطر قصيدة، أو بعطرها، وصورٌ كثيرة ستعبر ذاكرتك حينها، سأحاول القبض على واحدة منها داهمتني لذلك الشاب الذي كان كأبناء جيله يحلم بالذهاب إلى أفغانستان مجاهداً، وتحققت أمنيته، ولكنه جلس أمام أحمد شاه مسعود حاملاً جهاز تسجيل لا كلاشنكوف، هذه الومضة تختزل ما بعدها في سيرة تركي الدخيل، أو هكذا أظن، ولد في العاصمة السعودية في أوائل السبعينيات، وعندما نقول في السبعينات فإننا نتخيّل الحياة الاجتماعية في تلك الفترة حيث كان الرجال منهكين طوال اليوم في أعمالهم، وكانت تربية الأطفال مسؤولية الأمهات، ولأنه الأبن «البكر» فهذا يعني أنه سيكون تحت رقابة والدته بحرصٍ كان يراه اختراقاً كبيراً لخصوصياته حينها، نشأ في هذه الجو المنضبط لدرجة أنه لم يتعرف على الرياض بوجهها الآخر / الشارع إلا متأخراً، يتذكر تركي أبرز أحداث تلك الفترة عندما نقل له صديقه الذي يطوي «جريدة الشرق الأوسط» في جيب ثوبه عن حادثة « جهيمان»، وتماس آخر مبكر مع الصحافة عندما كانت والدته تعاتبه كثيراً لتكدس نسخ مجلة ماجد التي أخذت حيزاً كبير من غرفته!
ملامحه تراها في ما يكتب, ابتسامة تقترب من حُمى السخرية لكنها تأنف أن تفعل، في العمود الصحفي تشعر بخفّته وكأنه يهمس لك بحكاية شيّقة أو سر شفيف، أما في مضماره « الحوار التلفزيوني» فإنه يقنعك في أحيان كثيرة أن السؤال لا يحتاج لأداة استفهام، ولا علامة استفهام ايضاً، يكتفي أن يقتبس جملة من كلام ضيفه ويضع بعدها علامة تعجّب، لا يراوغ، لكنه يترك باب الاحتمالات موارباً للضيف، أحياناً يكفي ارتباك الضيف لتكتمل الإجابة، لكنه يتركه يبرر !
دراسته في كلية أصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، ومن ثم معايشته لفترة الجهاد الأفغاني تلك الفترة تعيدنا للصورة الذهنية السابقة للشاب الذي يحمل مسجلاً لا بندقية، هي ما جعلته يكتشف أن الجهاد في بلده أهم من الجهاد في «واد بنجشير»، وأن القلم قد يكون أمضى من البندقية، وإن كان الخيار الثاني أكثر مغامرة من الجهاد التقليدي، في المعركة التقليدية أنت أمام خصم واضح، وحتى النتيجة هزيمة أو انتصاراً يكون واضحاً، أما في جهاد الكلمة فستظل تحارب دون أن تطمح بنصرٍ أو هزيمة يكون هو نقطة النهاية، في ميدان الكلمة تفتّش حتى عن نواياك، ويُزايد عليك حتى ممن لم يخوضوا ولا «كلمة» في معركة الحياة !
تركي الدخيل علم أن الكلمة خيرة وذخيرة، وقدر من يعمل في الإعلام أن يقول ما يؤمن به، مثلما أن قدره أن الآخر الذي يجبن أن يقول يصفك بالجبن!