بناء العقل العربي غريب جداً، ولعل أحد معالم غرائبيته، الإيمان المطلق بنظرية المؤامرة.
صحيح أن معظم شعوب الأرض تؤمن بنظرية المؤامرة، لكن الفارق يكمن في كون جماعتنا أوفياء للنظرية المؤامراتية حتى لو كانت كل أدلة الدنيا وبراهين الحياة ضد التفسير المؤامراتي، وكل الوقائع على الأرض تقتضي الإيمان بفرضية لا مجال فيها لنظرية المؤامرة.
مر ما يزيد على ثلاث سنوات على أحداث الحادي عشر من سبتمبر التي غيرت معالم السياسات في العالم، ودخلنا العام الرابع بعد الأحداث، ولا زال في العالم العربي والإسلامي من يعتقد أن مرتكب هجمات سبتمبر غير “القاعدة”، وأنه لا علاقة لأسامة بن لادن وزمرته بما حدث من اعتداءات.
سبق أن تناقشت مع فئات من هؤلاء وقلت لهم: كيف تفسرون الوصايا التي أظهرتها أجهزة “القاعدة” الإعلامية لبعض الـ19 المشاركين في الهجمات؟ وماذا تقولون في المشاهد المصورة لأفراد القاعدة وهم يتابعون كتباً عن الطيران ويشرحون تفاصيل خطتهم؟ بل بماذا تفسرون خطابات أسامة بن لادن نفسه وهو يعترف بتجييشه المجموعة، أو وهو يتحدث عن شعوره عندما علم بالخبر، وقد بشّره من حوله به، عندما قال إنه ابتسم لأنهم لم يكونوا يعلمون بالموضوع الذي أحيط بسرية كبيرة وتكتم بالغ؟
لكنهم مع ذلك كله كانوا يجدون منفذاً ولو لم يكن منطقياً ومخرجاً ولو لم يكن مقنعاً أو عقلانياً يلوذون به، قبل أن يستندوا إلى ركن المؤامرة الركين، في تفسير ما حدث.
كان هؤلاء يلجأون إلى المؤامرة، لأنها تريحهم نفسياً من الاعتراف بأن أشخاصاً من بني جلدتنا يتكلمون بلغتنا وينتمون إلى ثقافتنا ويستخدمون هويتنا قد ارتكبوا هذا القتل والتدمير.
إنهم يعانون من تضارب صارخ وتضاد بيّن بين قناعاتهم بأن أحداث سبتمبر خطأ محض، وبين أن يكون مرتكب هذا الخطأ منتسبا إلى ذات ثقافتنا، ربما انطلاقاً من وهم الكمال المحيط بنا هوية وثقافة وحضارة.
أقول ذلك كله تعليقاً على الرسالة المتلفزة التي وجهها ليل الجمعة- السبت زعيم تنظيم “القاعدة” إلى الشعب الأميركي وتوعد فيها بضرب الولايات المتحدة مجدداً، مؤكداً أن الأسباب التي أدت إلى ضرب أميركا في 11 سبتمبر لا زالت قائمة.
ابن لادن قال في الرسالة الجديدة التي أكدت أنه لا يزال حيّاً، إن فكرة هجمات سبتمبر عنّت له إثر متابعته لاجتياح بيروت في عام 1982 من قبل إسرائيل بمساعدة الأسطول السادس الأميركي.
وكشف مجدداً أنه اتفق مع محمد عطا على أن ينجز جميع العمليات خلال عشرين دقيقة قبل أن ينتبه بوش وإدارته، وأعطى بوش كلمتين في جنبه كشفتا عن حس دعابة دفين لدى زعيم “القاعدة” عندما قال إن بوش كان مشغولاً بعنزاته، في إشارة إلى ما كان بوش يقضيه من وقت إبان الهجمات في مدرسة أطفال.
ورغم كل هذه التفاصيل الدقيقة فإن العقلية المؤامراتية العربية لن تقتنع بتاتاً بأن أسامة بن لادن و”القاعدة” خلف اعتداءات سبتمبر، بل ستظل تبحث عن تفسيرات مؤامراتية ربما تنسب من خلالها الأحداث المؤلمة التي غيرت وجه العالم في سبتمبر إلى الجن الأزرق، ربما لتؤكد لنا المثل العربي الشهير:”عنز… ولو طارت”!.
جميع الحقوق محفوظة 2019